الأربعاء، ٨ كانون الأول ٢٠١٠

ويكيليس وتحولات المنطقة

عندما نشرت ويكيليكس تسريباتها عن أفغانستان والعراق، مقالات عدة احتفت بها، وكلها دارت في إطار أن هذه الوثائق أثبتت ما مارسته الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، من انتهاكات وتجاوزات.

البعض كتب يشير إلى أن "ويكيليكس" باتت تعبيراً عن نمط الإعلام الجديد، والذي يسعى لتجاوز الأعراف التي سادت في العالم أعلاميا.

ولكن الآن، وإن كانت التسريبات أميركية، فإنها تكشف جانباً من السياسات العربية. فكما انتقد زعماء غربيون كأنجيلا ميركل، ونيكولا ساركوزي، وسيلفيو برلسكوني، وغيرهم، فقد أورد تصريحات لزعماء عرب ذكروا بالاسم أو مسؤولين لم يتم ذكرهم، وذلك فيما يتعلق بتأييدهم لضربة عسكرية ضد إيران، أو حتى إلى إشارات عن ما يمكن أن يوصف
بـ "صفقات ما وراء الأبواب المغلقة". 

الوثائق، ومع استمرار تسريبها، وهنالك نحو 250 ألف وثيقة، تثير الكثير من الأسئلة وتوفر مادة لعدد كبير من المقالات، وقضايا مختلفة تصلح لزوايا متعددة ليتم تناولها في مقالات متنوعة، ولعدم إمكانية التفرغ لرصد كل هذه الوثائق، فيمكن إيراد مجموعة من الملاحظات العامة على هذه الوثائق.

أولى الملاحظات ترتبط بحقيقة معروفة هي أن السياسات العربية قائمة على الأبواب المغلقة، والركون التام إلى الموقف أو المظلة الأمنية الأميركية، وتفسير ذلك غياب سياسات عربية تستند إلى العلمية في صنعها، وطبعاً هذا يفسر أيضاً بغياب المؤسسات السياسة العربية لأنها لا تبنى على وجود هيئات استشارية مستقلة، ولا على إرادات شعبية.

فمن الواضح أنه لا يوجد موقف عربي معلن، وأركز على معلن، إزاء إيران، والجدل حول التسلح النووي، ليصار إلى نقاشه بشكل واضح من دون اللجوء إلى الدبلوماسية السرية، وهي مطلوبة بالمناسبة في أوقات مختلفة، ولكن لا يعني ذلك أنها هي الأصل، وبالتالي يلاحظ أنه لا يوجد في الدول العربية منظرو دول، بل مطبلون لحكومات، إن لم نقل: مخبرون. فالمنظرون الحقيقيون إن وجدوا فهم بعيدون أو مبعدون عن السلطة، وإذا ما اقتربوا أو قربوا احترقوا!!

الملاحظة الثانية ترتبط بوثيقة خطيرة، وهي شأنها شأن الوثائق المسربة أخيراً برقية أميركية، تطالب باستبدال النفوذ السعودي في باكستان، بالنفوذ التركي، وخاصة فيما يتعلق بالنفوذ الديني، باعتبار تركيا دولة إسلامية. مثل هذا الطرح يؤشر على تغير كبير في مفهوم الدولة "الرائدة"، إن جاز التعبير في العالم الإسلامي.

فمثل هذه الوثيقة تذكر بزيارة أجراها الرئيس التركي عبدالله غول للدول الأفريقية واصطحب فيها بالإضافة إلى رجال الأعمال رجال دين، وقد نشرت مجلة الإيكونومست، منذ أشهر تقريراً نقلت فيه ردود فعل في الدول الأفريقية التي يعيش فيها مسلمون، سواء أكانوا أغلبية أم أقلية فيها، ارتياحاً للنمط الديني الذي تمثله تركيا. وفي هذا السياق فإن التنافس التقليدي بين الأزهر والمؤسسة الدينية في السعودية، والذي كان بارزاً منذ الستينيات واستتر خلف التحالف السياسي بين الدولتين خلال السنوات الأخيرة، قد يكون تراجع لصالح "الغلبة السياسية"، إن ما استخدمنا مصطلحات ابن خلدون.

ويتوقع أن تلعب تركيا دوراً ريادياً في العالم الإسلامي، يعيد ترتيب النظام الإقليمي، ويدخل في العامل الديني بشكل واضح، وهو أمر قد يلعب دوراً إيجابياً في محاولات تسوية الصراعات في مناطق مختلفة من العالم وعلى رأسها أفغانستان، والقوقاز، وآسيا الوسطى.

وأما الملاحظة الأخيرة، فترتبط بهذه الوثائق، والبرقيات، التي يجب أن تفهم في سياقها، وهي، وإن كانت تكشف جزءاً كبيراً من عالم غير معروف للناس، فإنها تعبر أيضاً عن تحليلات السفارات الأميركية ودبلوماسييها، فلا يمكن أخذها كحقائق ثابتة، بل هي جزء من مدخلات التحليل التي تستند عليها مؤسسات صنع القرار في واشنطن، وبالتالي، هي ملاحظة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في تحليل مثل هذه الوثائق من قبل الصحافيين والباحثين.
مراد بطل الشيشاني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق