الأربعاء، ٨ كانون الأول ٢٠١٠

إيران وإسرائيل و"بركات" وثائق ويكيليكس

رغم المواجهة المستمرة بين إيران وإسرائيل طوال العقود الثلاثة الماضية، فقد جاء الوقت الذي يجعلهما قريبتين حتى وان لم تريدا أو تسعيا إلى ذلك، تلك هي وثائق الخارجية الأميركية التي تم تسريبها عبر موقع ويكيليكس. فبالنسبة إلى إسرائيل ظهرت، منسجمة في مواقفها لا سيما من إيران، فما ذكر حول البرقيات المرسلة من القدس او تل أبيب والبالغ عددها حوالي 5400 يشير إلى أن الدولة العبرية كانت متشددة في محادثاتها مع الدبلوماسيين الأميركيين طوال العامين الماضيين، وان ما كان المراقبون يسمعونه في وسائل الإعلام المختلفة كان في الحقيقة هو الموقف الإسرائيلي الذي تم إرساله إلى واشنطن. كل ذلك لا يمنع ان الكثيرين في الشارع العربي والإسلامي يتساءلون لماذا هذا الشح في المعلومات حول إسرائيل في الوثائق؟ الجواب ربما يكمن في أمرين: الأول أن ما تم قراءته من الوثائق ما هو إلا كمية قليلة، وبالتالي قد تظهر معلومات تجعل طرح السؤال امرا غير مشروع. الأمر الآخر ربما يتعلق بطبيعة العلاقة بين واشنطن وإسرائيل، فالطرفان يعرفان ماذا يريد كل منهما، وبالتالي فالأحاديث التي تجري بين أطراف إسرائيلية ودبلوماسيين أميركيين تتعلق بموضوعات حول التسوية، وهنا أيضا المواقف معلنة، وبالتالي ما جدوى تكرار قول ما هو معروف. 

بالنسبة لإيران فإن القضية ينظر لها من زاوية مختلفة، فطهران أدركت بهذه المناسبة الفائدة العظمى في أن لا تكون فيها سفارة لواشنطن، فماذا يمكن توقع لو كان هناك تمثيل دبلوماسي بين واشنطن وطهران؟ وكم يكون العدد من البرقيات التي ترسل من طهران. إن الناظر إلى تاريخ العلاقة الأميركية الإيرانية قبل الثورة الإيرانية يتوقع أن يكون عدد البرقيات يفوق عدد البرقيات من إسرائيل. طهران من جهة أخرى ترى نفسها محظوظة بأن تصدق قراءاتها في تصور الآخر لها لا سيما الدول العربية، فما تسرب من وثائق يجعلها تحتفل بأنها ما تزال ضحية لما تسميه بـ"المؤامرة الأميركية". الوثائق بالنسبة لإيران تأكيد لقراءتها حول نظرة بعض الدول العربية لها، وان تصور تلك الدول يدفع إلى مساعدة أميركا في زيادة ضغوطها على إيران، وتبدو إيران متأكدة بعد تسريب بعض وثائق الخارجية الأميركية أن التصريحات التي كانت تصدر من واشنطن بأن هناك "قلقا إقليميا" كانت في الواقع صدى لما كانت الدبلوماسية الأميركية تسمع. مع كل هذا فإن هناك عاملا لا يجب التقليل منه وهو عامل المعلومات التي تقدمها واشنطن للدول العربية عن إيران والتي تضاف إلى تقييمات الدول العربية نفسها، هذا العامل هو في الحقيقة شحن مباشر للدول العربية للتعبير عن موقف صريح من إيران حتى وإن كان مخالفا لما يتم التصريح به في العلن. إن استمرار التسريب بهذا الاتجاه الذي يقدم إيران كهدف وضحية، يخدم إيران كثيرا، وعند أولئك المبغضين للسياسات الأميركية، وهو أمر تحتاجه طهران بعد الضرر الذي أصاب صورتها في أعقاب الانتخابات الرئاسية العاشرة. بالنسبة إلى إسرائيل فإن الأحجية ستبقى قائمة إذا ما بقي حجم التسريب عنها بالحجم الذي قرأنا عنه حتى الآن.

د. محجوب الزويري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق